القائمة الرئيسية

الصفحات

إنك لن تستطيع معي صبرا / قصة الخضر وموسى


إنك لن تستطيع معي صبرا / قصة الخضر وموسى

إنك لن تستطيع معي صبرا / قصة الخضر وموسى

قصة الخضر( هو عبد صالح آتاه الله من العلم والحكمة مايجعله معلما لنبى الله موسى عليه السلام)

القصة:

قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) (60) (الكهف)


كان لموسى -عليه السلام- هدف من رحلته هذه التي اعتزمها،، وأنه كان يقصد من ورائها امرا ،  فهو يعلن عن تصميمه على بلوغ مجمع البحرين مهما تكن المشقة ، ومهما يكن الزمن ، الذي ينفه في الوصول ،  فيعبر عن هذا التصميم قائلا (أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا).


نرى أن القرآن الكريم لا يحدد لنا المكان الذي وقعت فيه الحوادث، ولا يحدد لنا التاريخ، كما أنه لم يصرح بالأسماء. 

ولم يبين ماهية العبد الصالح الذي التقاه موسى ، هل هو نبي أو رسول؟ أم عالم؟ أم ولي؟


اختلف المفسرون في تحديد المكان، فقيل إنه بحر فارس والروم، وقيل بل بحر الأردن أو القلزم، وقيل عند طنجة،وقيل في أفريقيا، وقيل هو بحر الأندلس.. ولا يقوم الدليل على صحة مكان من هذه الأمكنة، ولو كان تحديد المكان مطلوبا لحدده الله تعالى..وإنما أبهم السياق القرآني المكان، كما أبهم تحديد الزمان، كما ضبب أسماء الأشخاص لحكمة عليا.


إن القصة تتعلق بعلم ليس هو علمنا القائم على الأسباب..وليس هو علم الأنبياء القائم على الوحي.. إنما نحن أمام علم من طبيعة غامضةأشد الغموض.. علم القدر الأعلى، وذلك علم أسدلت عليه الأستار الكثيفة.. مكان اللقاء مجهول كما رأينا.. وزمان اللقاء غير معروف هو الآخر.. لا نعرف متى تم لقاء موسى بهذا العبد.


وهكذا تمضي القصة بغير أن تحدد لك سطورها مكان وقوع الأحداث، ولا زمانه، يخفي السياق القرآني أيضا اسم أهم أبطالها.. يشير إليه الحق تبارك وتعالى بقوله: (عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) هو عبد أخفى السياق القرآني اسمه.. هذا العبد هو الذي يبحث عنه موسى ليتعلم منه.


لقد خص الله تعالى نبيه الكريم موسى -عليه السلام- بأمور كثيرة.  فهو كليم الله عز وجل ، وأحد أولى العزم من الرسل ، وصاحب معجزة العصا واليد ، والنبي الذي أنزلت عليه التوراة دون واسطة، وإنما كلمه الله تكليما.. 


قام موسى خطيبا في بني إسرائيل، يدعوهم إلى الله ويحدثهم عن الحق، ويبدو أن حديثه جاء جامعا مانعا رائعا.. بعد أن انتهى من خطابه سأله أحد المستمعين من بني إسرائيل: هل على وجه الأرض أحد اعلم منك يا نبي الله؟


قال موسى مندفعا: لا..


وساق الله تعالى عتابه لموسى حين لم يرد العلم إليه، فبعث إليه جبريل يسأله: يا موسى ما يدريك أين يضع الله علمه؟


أدرك موسى أنه تسرع.. وعاد جبريل، عليه السلام، يقول له: إن لله عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك.


تاقت نفس موسى الكريمة إلى زيادة العلم، وانعقدت نيته على الرحيل لمصاحبة هذا العبد العالم.. سأل كيف السبيل إليه.. فأمر أن يرحل، وأن يحمل معه حوتا في مكتل، أي سمكة في سلة.. وفي هذا المكان الذي ترتد فيه الحياة لهذا الحوت ويتسرب في البحر، سيجد العبد العالم.. انطلق موسى -طالب العلم- ومعه فتاه.. وقد حمل الفتى حوتا في سلة.. انطلقا بحثا عن العبد الصالح العالم.. وليست لديهم أي علامة على المكان الذي يوجد فيه العالم


معجزة ارتداد الحياة للسمكة القابعة في السلة وتسربها إ لى البحر.


ظهر عزم موسى -عليه السلام- على العثور على هذا العبد العالم ولو اضطره الأمر إلى أن يسير أحقابا وأحقابا. قيل أن الحقب عام، وقيل ثمانون عاما. على أية حال فهو تعبير عن التصميم،

لا عن المدة على وجه التحديد.

وصل الاثنان إلى صخرة جوار البحر.. رقد موسى واستسلم للنعاس، وبقي الفتى ساهرا.. وألقت الرياح إحدى الأمواج على الشاطئ فأصاب الحوت رذاذ فدبت فيه الحياة وقفز إلى البحر.. (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا).. وكان تسرب الحوت إلى البحر علامة أعلم الله بها موسى لتحديد مكان لقائه بالرجل الحكيم الذي جاء موسى يتعلم منه.


نهض موسى من نومه فلم يلاحظ أن الحوت تسرب إلى البحر.. ونسي فتاه الذي يصحبه أن يحدثه عما وقع للحوت.. وسار موسى مع فتاه بقية يومهما وليلتهما وقد نسيا حوتهما.. ثم تذكر موسى غداءه، وحل عليه التعب.. (قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا).. ولمع في ذهن الفتى ما وقع.




ساعتئذ تذكر الفتى كيف تسرب الحوت إلى البحر هناك.. وأخبر موسى بما وقع، واعتذر إليه بأن الشيطان أنساه أن يذكر له ما وقع، رغم غرابة⁉️ ما وقع، فقد اتخذ الحوت(سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا).. كان أمرا عجيبا ‼️ما رآه يوشع بن نون ، لقد رأى الحوت يشق الماء فيترك علامة وكأنه طير يتلوى على الرمال.


سعد موسى من مروق الحوت إلى البحر و(قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ)..هذا ما كنا نريده.. إن تسرب الحوت يحدد المكان الذي سنلتقي فيه بالرجل العالم.. ويرتد موسى وفتاه يقصان أثرهما عائدين..انظر إلى بداية القصة، وكيف تجيء غامضة أشد الغموض، مبهمة أعظم الإبهام.

أخيرا وصل موسى إلى المكان الذي تسرب منه الحوت.. وصلا إلى الصخرة التي ناما عندها، وتسرب عندها الحوت من السلة إلى البحر.. وهناك وجدا رجلا.


يقول البخاري إن موسى وفتاه وجدا الخضر مسجى (اى مغطى) بثوبه.. وقد جعل طرفه تحت رجليه وطرف تحت رأسه.


فسلم عليه موسى،  فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضك سلام..؟ من أنت؟


قال موسى: أنا موسى.


قال الخضر: موسى بني إسرائيل.. عليك السلام يا نبي إسرائيل.


قال موسى: وما أدراك بي..؟


قال الخضر: الذي أدراك بي ودلك علي.. ماذا تريد يا موسى..؟


قال موسى ملاطفا مبالغا في التوقير: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشدا).


قال الخضر: أما يكفيك أن التوراة بيديك.. وأن الوحي يأتيك..؟ يا موسى (إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)


موسى عليه السلام لَما التقى بسيدنا الخضر عليه السلام الذي يقال انه هو نبي من انبياء الله كذلك ،  لكن سيدنا موسى أفضل منه، قـال له: هل تأذن أيها العبد الصالح أن تفيض عليّ بعلمك على أن أتبعك وألتزم أمرك ونهيك؟ وكان الخضر عليه السلام قد أُلْهِم أنّ موسى لا يصبر على السكوت إذا رأى ما يكره، فقال الخضر لموسى: إنك لن تستطيع معي صبرًا، ولو أنك صحبتني سترى ظواهر عجيبة⁉️ وأمورًا غريبة . ❕فقال موسى وكان حريصًا على العلم توّاقًا إلى المعرفة: {سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً } (الكهف/69).




فقال الخضر: "إن صحبتني ءاخذ عليك عهدًا وشرطًا أن لا تسألني عن شىء حتى ينقضي الشرط وتنتهي المرحلة وإني بعدها سأبيّن لك ما قد تتساءل عنه وأشفي ما بصدرك.




يقول ربّ العزّة في محكم التنْزيل: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا } الآية. (سورة الكهف/71).




بينما هما في السفينة فوجىء موسى بأنّ الخضر أخذ لوحين من خشب السفينة فخلعهما، فقال موسى ما أخبر ربنا عنه في القرءان: {قَالَ أَخَرَقْتَهَالِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} (الكهف/71 - 72)


ثم ذكّره الخضر بالشرط والعهد فتذكّر موسى وقال: لا تؤاخذني.

وبينما هما على السفينة إذ جاء عصفور فوقع على حرفها فغمس منقاره في البحر، فقال الخضر لموسى: "ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما نقر هذا العصفور

من البحر". 

معناه لا نعلم من معلومات الله إلا القدر الذي أعطانا، والقدر الذي أعطانا بالنسبة لِما لم يُعطنا كما أصاب منقار العصفور فى الماء حين غمسه في البحر

كشف العبد الرباني لموسى شيئين في الوقت نفسه.. كشف له أن علمه -أي علم موسى- محدود.. كما كشف له أن كثيرا من المصائب التي تقع على الأرض تخفي في ردائها الأسود الكئيب رحمة عظمى.

إن أصحاب السفينة سيعتبرون خرق سفينتهم مصيبة جاءتهم، بينما هي نعمة تتخفى في زي المصيبة.. نعمة لن تكشف النقاب عن وجهها إلا بعد أن تنشب الحرب ويصادر الملك كل السفن الموجودة غصبا، م يفلت هذه السفينةالتالفة المعيبة.. وبذلك يبقى مصدر رزق الأسرة عندهم كما هو، فلا يموتون جوعا.

أيضا سيعتبر والد الطفل المقتول وأمه أن كارثة قد دهمتهما لقتل وحيدهما الصغير البريء..غير أن موته يمثل بالنسبة لهما رحمة عظمى، فإن الله سيعطيهما بدلا منه غلاما يرعاهما في شيخوختهما ولا يرهقهما طغيانا وكفرا كالغلام المقتول.


وهكذاتختفي النعمة في ثياب المحنة، وترتدي الرحمة قناع الكارثة، ويختلف ظاهر الأشياء عن باطنها حتى ليحتج نبي الله موسى إلى تصرف يجري أمامه، ثم يستلفته عبد من عباد الله إلى حكمة التصرف ومغزاه ورحمة الله الكلية التي تخفي نفسها وراء أقنعة عديدة.


أما الجدار الذي أتعب نفسه بإقامته، من غير أن يطلب أجرا من أهل القرية، كان يخبئ تحته كنزا لغلامين يتيمين ضعيفين في المدينة. ولو ترك الجدار ينقض لظهر من تحته الكنز فلم يستطع الصغيران أن يدفعا عنه.. ولما كان أبوهما صالحا فقد نفعهما الله بصلاحه في طفولتهما وضعفهما، فأراد أن يكبرا ويشتد عودهما ويستخرجا كنزهما وهما قادران على حمايته

هذا النبي العظيم يتحول في القصة إلى طالب علم متواضع يحتمل أستاذه ليتعلم.. ومن يكون معلمه غير هذا العبد الذي يتجاوز السياق القرآني اسمه، وإن حدثتنا السنة المطهرة أنه هو الخضر -عليه السلام- كما حدثتنا أن الفتى هو يوشع بن نون , ويسير موسى مع العبد الذي يتلقى علمه من الله بغير أسباب التلقي التي نعرفها.


والخضر هو الصمت المبهم ذاته، إنه لا يتحدث، وتصرفاته تثير دهشة⁉️ موسى العميقة.. إن هناك تصرفات يأتيها الخضر وترتفع أمام عيني موسى حتى لتصل إلى مرتبة الجرائم والكوارث.. وهناك تصرفات تبدو لموسى بلا معنى..‼️ وتثير تصرفات الخضر دهشة ‼️ موسى ومعارضته.. ورغم علم موسى ومرتبته، فإنه يجد نفسه في حيرة عميقة من تصرفات هذا العبد الذي آتاه الله من لدنه علما.


وقد اختلف العلماء في الخضر: فيهم من يعتبره وليا من أولياء الله، وفيهم من يعتبره نبيا.. وقد نسجت الأساطير نفسها حول حياته ووجوده، فقيل إنه لا يزال حيا إلى يوم القيامة، وهي قضية لم ترد بها نصوص أو آثار يوثق فيها، فلا نقول فيها إلا أنه مات كما يموت عباد الله.. وتبقى قضية ولايته، أو نبوته.. وسنرجئ الحديث في هذه القضية حتى ننظر في قصته كما أوردها القرآن الكريم.

.


ثم ينفض الرجل يده من الأمر. فهي رحمة الله التي اقتضت هذا التصرف. وهو أمر الله لا أمره. فقد أطلعه على الغيب في هذه المسألة وفيما قبلها، ووجهه إلى التصرف فيها وفق ما أطلعه عليه من غيبه.

وهنا نسأل الخضر أم القدر ؟

‎هل توقفت يوماً لتتسائل عن سيدنا الخضر عليه السلام ؟!

‎هل هو نبيٌ، وليٌ، عالمٌ أم ماذا ؟!

‎هل انتابتك الدهشة لهذا الذي جعله الله أكثر علماً،حكمةً و رحمةً من نبي مرسل ؟!

‎أتساءلت يوماً لماذا كل هذا الإصرار أن يصل سيدنا موسى عليه السلام لبلوغ المكان الذي سيلاقي فيه سيدنا الخضر عليه السلام *﴿وَ إِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً﴾*

‎و لماذا سيدنا موسى تحديداً الذي قدر له من بين جميع الأنبياء و الرسل أن يقابل سيدنا الخضر الأكثر علماً و رحمةً ؟!

‎الأكيد أن هذه القصة تحديداً تختلف تماماً عن كل القصص، قصة موسى و العبد الصالح لم تكن كغيرها من القصص، لماذا ؟!

‎لأن القصة تتعلق بعلم ليس هو علمنا القائم على الأسباب، و ليس هو علم الأنبياء القائم على الوحي، إنما نحن في هذه القصة أمام علم من طبيعة أخرى غامضة أشد الغموض ... علم القدر الأعلى، علم أسدلت عليه الأستار الكثيفة، كما أسدلت على مكان اللقاء، زمانه و حتى الإسم *﴿عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا﴾*، هذا اللقاء كان استثنائياً لأنه يجيب على أصعب سؤال يدور في النفس البشرية منذ خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض و ما عليها ...

‎سؤال ...

‎لماذا خلق الله الشر، الفقر، المعاناة، الحروب والأمراض ؟!

‎لماذا يموت الأطفال ؟!

‎*كيف_يعمل_القدر ؟!*

‎البعض يذهب إلى أن العبد الصالح لم يكن إلا تجسيداً للقدر المتكلم لعله يرشدنا *﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَ عَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾* ..

‎أهم مواصفات القدر المتكلم أنه رحيم عليم أي أن الرحمة سبقت العلم .

‎فقال النبي البشر (موسى) : *﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾*

‎يرد القدر المتكلم (الخضر) : *﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾ ﴿وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً﴾*

‎فهم أقدار الله فوق امكانيات العقل البشري و لن تصبر على التناقضات التي تراها

‎يرد موسى بكل فضول البشر: *﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَ لَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً﴾*

‎هنا تبدأ أهم رحلة توضح لنا كيف يعمل االقدر ؟!

‎يركبا في قارب المساكين فيخرق الخضر القارب ... تخيل المعاناة الرهيبة التي حدثت للمساكين في القارب المثقوب ... معاناة، ألم، رعب، خوف، و تضرع .. جعل موسى البشري يقول *﴿قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً﴾* ... عتاب للقدر كما نفعل نحن تماماً ...

‎أخلقتني بلا ذرية كي تشمت بي الناس ؟!

‎أفصلتني من عملي كي أصبح فقيراً ؟!

‎أزحتني عن الحكم ليشمت بي الأراذل ؟!

‎يارب لماذا كل هذه السنوات في السجن ؟!

‎يارب أنستحق هذه المهانة ؟!

‎*﴿أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾* ألم أقل لك أنك أقل من أن تفهم الأقدار ؟!

‎ثم يمضيا بعد تعهد جديد من موسى بالصبر ...

‎يمضي الرجلان ... و يقوم الخضر الذي وصفه ربنا بالرحمة قبل العلم بقتل الغلام، و يمضي ... يزداد غضب موسى عليه السلام النبي الذي يأتيه الوحي، يعاتب بلهجة أشد ...

‎*﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا﴾*

‎تحول من إمراً إلى نكراً ... و الكلام صادر عن نبي أوحي إليه، لكنه بشر مثلنا ... يعيش نفس حيرتنا، يؤكد له الخضر مرة أخرى *﴿أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾*

ثم يمضيا بعد تعهد أخير من موسى كليم الله بأن يصمت و لا يسأل ...

‎فيذهبان إلى القرية فيبني الخضر الجدار ليحمي كنز اليتامى ...

‎هنا ينفجر موسى ... فيجيبه من سخره ربه ليحكي لنا قبل موسى حكمة_القدر .. *﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً﴾*

‎هنا تتجلى حكمة الإله و التي لن تفهم بعضها حتى يوم القيامة. ..

‎الشر نسبي .. و مفهومنا كبشر عن الشر قاصر .. لأننا لا نرى الصور الكاملة ..

‎القدر أنواع ثلاث

‎النوع_الأول🔴:- شراً تراه فتحسبه شراً فيكشفه الله لك أنه كان خيراً، فما بدا شرا لأصحاب القارب اتضح أنه خير لهم، و هذا نراه كثيراً في حياتنا اليومية و عندنا جميعاً عشرات الأمثلة عليه .

‎النوع الثاني 🔴:- شراً تراه فتحسبه شراً لكنه في الحقيقة خير، لكن لن يكشفه الله لك طوال حياتك، فتعيش عمرك و أنت تحسبه شراً ... كما حدث في قتل الغلام


‎هل عرفت أم الغلام حقيقة ما حدث ؟!

‎هل أخبرها الخضر ؟!

‎الجواب:- لا ... بالتأكيد قلبها انفطر و أمضت الليالي الطويلة حزناً على هذا الغلام الذي ربته سنيناً في حجرها ليأتي رجل غريب يقتله و يمضي، بالتأكيد ... هي لم تستطع أبداً أن تعرف أن الطفل الثاني كان تعويضاً عن الأول.. و أن الأول كان سيكون سيئاً *﴿فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَ كُفْراً﴾* فهنا نحن أمام شر مستطير حدث للأم .. لم تستطع تفسيره أبداً .. و لن تفهم أم الغلام أبداً حقيقة ما حدث إلى يوم القيامة ... نحن الذين نمر على المشهد مرور الكرام لأننا نعرف فقط لماذا فعل الخضر ذلك ؟!

‎أما هي فلم و لن تعرف ..

النوع الثالث من القدر و هو الأهم 🔴:- الشر الذي يصرفه الله عنك دون أن تدري لطف_الله_الخفي ..

‎الخير الذي يسوقه لك الله، لم تراه، لن تراه و لن تعلمه ...

‎هل اليتامى أبناء الرجل الصالح عرفوا أن الجدار كان سيهدم ؟ ... لا .

‎هل عرفوا أن الله أرسل لهم من يبنيه ؟! ... لا .

‎هل شاهدوا لطف الله الخفي؟! ... الجواب قطعاً لا .

‎هل فهم موسى السر من بناء الجدار ؟! ... لا .

واختفى هذا العبد الصالح.. لقد مضى في المجهول كما خرج من المجهول.. إلا أن موسى تعلم من صحبته درسين مهمين:

تعلم ألا يغتر بعلمه في الشريعة، فهناك علم الحقيقة.

وتعلم ألا يتجهم قلبه لمصائب البشر، فربما تكون يد الرحمة الخالقة تخفي سرها من اللطف والإنقاذ، والإيناس وراء أقنعة الحزن والآلام والموت.


هذه هي الدروس التي تعلمها موسى كليم الله عز وجل ورسوله من هذا العبد المدثر بالخفاء.

‎لنعد سوياً إلى كلمة الخضر (القدر المتكلم) الاولى: ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً

‎لن تستطيع أيها الإنسان أن تفهم أقدار_الله ... الصورة أكبر من عقلك ... استعن بلطف الله الخفي لتصبر على أقداره التي لا تفهمهما ... ثق في ربك فإن قدرك كله خير ...

‎و قل في نفسك: أنا لا أفهم أقدار الله، لكنني متفق مع ذاتي، متصالح مع حقيقة أنني لا أفهمها، موقن كما الراسخون في العلم أنه كل من عند ربنا ... إذا وصلت لهذه المرحلة ستصل لأعلى مراحل الإيمان (الطمأنينة) هذه هي الحالة التي لا يهتز فيها الإنسان لأي من أقدار الله .. خيراً بدت أم شراً و يحمد الله في كل حال -حينها فقط- سينطبق عليك كلام الله ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ

‎حتى يقول .. ﴿وَ ادْخُلِي جَنَّتِي

‎لاحظ هنا أنه لم يذكر للنفس المطمنئة لا حساباً و لا عذاباً ..

‎*اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا ... اللهم امين 


اقراء أيضا 

كيف نطرد الشياطين من بيوتنا










هل اعجبك الموضوع :

تعليقات