القائمة الرئيسية

الصفحات

الهجرة النبوية بين التخطيط البشري والتأييد الربانى / الهجرة والدروس المستفادة

الهجرة النبوية بين التخطيط البشري والتأييد الربانى / الهجرة والدروس المستفادة


هجرة النبوية بين التخطيط البشري والتأييد الربانى / الهجرة والدروس المستفادة


الهجرة النبوية المطهرة:

هي حدث تاريخي وذكرى ذات مكانة عند المسلمين، ويقصد بها هجرة النبي محمد وأصحابه من مكة إلى يثرب حيث


تتوالي السنوات وتنقضي القرون وتبقي الهجرة النبوية نبراساً لكل مهاجر في سبيل المبدأ علي ظهر الأرض،

ويبقي الرسول صلي الله عليه وسلم سيد المهاجرين بلا منازع،

 قبل خمسة عشر قرناً من الآن اجتمعت أساطين الكفر، وصناديد الجاهلية، علي أرض مكة، للقضاء علي الدعوة الجديدة وإطفاء 

نورها الذي عميت عيونهم عن إدراكه،....

فقرروا قتل صاحب الدعوة وحامل لوائها عليه الصلاة و السلام، بعد أن فشلت الوسائل الأخرى من تعذيب أتباع الدعوة 

واضطهادهم والتضييق عليهم وإلجائهم إلي التخفي والهجرة، في إيقاف مدها واتساع رقعتها، وظهور أمرها، يوماً بعد يوم،

فأخبر الله تعالي رسوله صلي الله عليه وسلم بمؤامرتهم

﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (الأنفال: 30)

الاذن بالهجرة 

وأذن له في الهجرة ليلحق بأصحابه ويؤسس الدولة  التي ملآت العالم عدلاً ورحمة، وعلماً وحضارة وإنسانية. وكانت هجرته 

صلي الله عليه وسم مثالاً فريداً ونموذجاً  فذا في تاريخ الهجرات الإنسانية، فقد كانت هجرة خالصة للمبدأ، منزهة عن الهوي 

والغرض والمصلحة،

لم تكن هجرة خائف يلتمس النجاة!

ولا هجرة طامح يبحث عن المزيد!

ولا هجرة موتور يبحث عن الثأر!

ولا هجرة تاجر يبحث عن المكسب!

 ولا هجرة زعيم يبحث عن المجد!

ولا هجرة مغامر يبحث عن الشهرة!

ولا هجرة سائح يري متعة الحياة في التقلب بين بلدانها!

️«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ 

هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» (رواه البخاري ومسلم)

لقد كانت الهجرةُ إيذانًا بتحوُّل دفَّة الحياة في هذه الدُّنيا إلى وجهة جديدة تأخذ بتلابيبِها إلى الله تعالى، وتقيمها على شِرْعته 

ومنهاجه، تزين بها ناصيتها، وتُعْلي بها هامتها، وترفع بها اسْمَها..

فكان الإسلام زينةَ الدِّيانات السابقة، ومنارةً كُبْرى من منارات الْهُدى في الكون، ازدانَتْ به الأرض حتَّى فتح الدُّنيا  ..

لقد كانت الهجرةُ النبوية أعظم حدثٍ حوَّل مجرى التَّاريخ، وغيَّر مسيرة الحياة التي كانت تحياها ..


 كانت هجرته صلي الله عليه وسلم من أبرز النماذج التطبيقية للمزج التربوي الدقيق بين

استفراغ الوسع في الأخذ بالأسباب وحسن التدبير، وبين التوكل علي الله وحسن الظن به،

لقد خرج الرسول صلي الله عليه وسلم من بيته فجراً، ودخل بيت أبي بكر في الظهيرة، ثم خرج مع صاحبه

 أبي بكر من باب خلفي، وارتحلا راحلتين سبق أن أعدهما أبو بكر وجهزهما في مكان بعيد عن العيون علي أطراف مكة،

ثم انطلقا إلي غار ثور في اتجاه لا يخطر ببال الملاحقين لهما، إذ انطلقا في عكس الطريق المعهود الذي يسلكه من يقصد يثرب، 

ومكثا في الغار ثلاثة أيام كاملة حتي يخف عنهما الطلب وتهدأ حركة قريش،

وخلال هذه المدة تم تكليف عبد الله بن أبي بكر بإحضار

 الأخبار، وأسماء بنت أبي بكر بإحضار الطعام، ولإخفاء آثار أقدامهما الذاهبة من الغار  و الآتية إليه تم تكليف عامر بن فهيرة 

مولي أبي بكر الصديق رضي الله عنها برعي الغنم

 والاستراحة قريباً من الغار،

 وفي الطريق إلي يثرب تم الاستعانة بدليل ماهر خبير بدروب الصحراء هو عبد الله بن أريقط رغم أنه كان يهودياً لكنه كان أمينا 

يحفظ السر، بالإضافة إلي خبرته التامة وهذان الأمران هما المطلوبان  في هذه المهمة.

 بل هما ركنا النجاح في أي مهمة: الأمانة والخبرة، ولا غني لأحدهما عن الآخر. فالأمين إذا لم يكن خبيراً يسيء من حيث يريد أن 

يحسن، ويكون كالدبة التي قتلت صاحبها وهى تهش الذباب عن وجهه، فقذفته بالحجر الذي أودي بحياته، والخبير إذا لم يكن 

أميناً يجرعك سم الخيانة وتأتيك منه الطعنة النجلاء في ظهرك، في الوقت الذي تنتظر مؤاذرته ونصرته وتؤمل دعمه ومعونته.

هذه التدابير التي اتخذها الرسول صلي الله عليه وسلم تمثل أعلي درجات الحيطة_والحذر، وتمثل كذلك نموذجاً راقياً للتخطيط 

المحكم، وعدم ترك أي شيء للاحتمالات،

وهي بمعايير جودة التخطيط خطة ليس بها أي ثغرات، وهذا هو استفراغ الوسع في الأخذ بالأسباب وحسن التدبير،

وتتكامل هذه الصورة مع موقف الرسول صلي الله عليه وسلم عندما شاءت إرادة السميع العليم أن يصل صناديد قريش إلي باب 

الغار رغم كل هذه التدابير،

هنا تتفجر ينابيع اليقين و الثقة و التوكل واستشعار معية الله، يقول صاحبه: "لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا" فيرد عليه  

الرسول الكريم بهذه الكلمات التي تجسد اليقين الكامل و الثقة المطلقه والاعتماد الكامل علي الله:

«يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما»

فيأتيهما النصر والتأييد، ويصرف الله عنهما كيد الأعداء بما شاء وكيف شاء، ويملأ قلبيهما بالطمأنينة والسكينة

 ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ 

سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 40).


التاريخ الهجرى :

 ‏الهجرة النبوية جمعت بين روعة الكفاح والفداء واللقاء، وعظيم الأثر في تحويل مجرى التاريخ،

 لا جرم أن عمر بن الخطاب والصحابة كانوا بعيدي النظر، حين اعتبروا الهجرة بدء التاريخ الإسلامي.

ليست الهجرة بدء التاريخ الإسلامي فحسب،

بل هي بدء التاريخ الإنساني الذي ولد فيه الإنسان ولادة جديدة.

بعض حوادث التاريخ الخالدة، يصنعها أفراد قلائل، ويعيش بفضلها مئات الملايين على مر الدهور، وهم لا يشعرون.

 الهجرة كانت قبراً للباطل العنيد، ونصراً للحق الجديد.

 لولا الهجرة لما كانت دمشق وبغداد، وقرطبة والزهراء، ولولا الهجرة لما كان خلود العرب في التاريخ، ولولا الهجرة لما استيقظ 

الغرب بعد سبات عميق.

الدروس المستفادة :

لاشك أن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، حملت دروسًا لا تُحصى ولا تُعد، ومن هذه الدروس:


الاعتماد على الله مع الأخذ بالاسباب :


بذل الرسول صل الله عليه وسلم وصاحبه ابو بكر فى إنجاح الهجرة من مكة إلى المدينة، مع التوكل على الله وليس فقط الأخذ 

بالاسباب، ولكن  التوكل على الله مع  الأخذ بالاسباب ، وبعد أن أخذ بكل الاسباب تمتع بيقين تام بنصر الله .

الأمل فى نصر الله :


لم يفقد الرسول الامل واليقين فى نصر الله ابدا فى جميع مراحل حياته.

الصحبة:


لقد حرص الرسول على أخذ صاحبه ، وحبيبه المقرب وهو الصديق رضي الله عنه أبو بكر الصديق

فكل مراحل حياة الرسول لم تكن خالية من الصحبة الصالحة ،  التى تعين على النجاح والتقدم ، فقد سطر  رسول الله قاعده 

إسلاميّة أصيلة: "الشَّيْطَانُ مِعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ".

بذل الصديق الجهد والعطاء للدعوة :


لقد بذل الصديق كل ما فى وسعه فى سبيل الدعوة ،أرأيتم كيف استعمل عبد الله ابنه في نقل الأخبار؟ وكيف استعمل أسماء ابنته 

في نقل الطعام والشراب؟ وكيف استعمل عامر بن فهيرة مولاه في إخفاء آثار الأقدام؟

فهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم معين دروس

 لا ينضب بل يزداد مع مرور السنين والقرون تدفقاً يروي بهداه ظمأ الظامئين فيجدد في قلوبهم الآمال ويملؤها جداً واجتهاداً في 

بلوغ الأهداف العظمى رغم وعورة الطريق وخطورة المسالك وترصد الأعداء.

الاحتفال بيوم هجرته صلى الله عليه وآله وسلم هو مثل

الاحتفال بيوم مولده في المشروعية، بل هو أقوى؛ مشابهة ليوم عاشوراء في أنه يوم نجى الله فيه رسوله صلى الله عليه وآله 

وسلم من مكر الذين كفروا.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.




اقرا ايضا 



هل اعجبك الموضوع :

تعليقات